الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

خطر المواقع الاباحية

خطر المواقع الاباحية
جاءت ثورة الاتصالات الحديثة لتشكل مرتكزاً أساسياً من مرتكزات تقدم البشرية في القرن الحادي والعشرين.. فمثل الإنترنت والفضائيات وقبلهما (الفيديو والكاسيت) ثورة لا مثيل لها في مجال الاتصالات.
وقد استفادت البشرية - بلا شك – استفادة لا مثيل لها من هذه الثورة.. ولكن على الجانب الآخر ظهرت لهذه الثورة نقطة شديدة السلبية، وهي ما يمكن أن نسميه " تقنية الجنس".
فهناك الآلاف من المواقع الإباحية على الشبكة العالمية، كما أن هناك العشرات من المحطات الفضائية المتخصصة في بث الأفلام الجنسية.
فما هي انعكاسات هذه التقنية الجديدة على الفرد والأسرة والمجتمع؟
يبدأ د. محمد علي عطية خبير الاستشارات الأسرية بسرد وقائع حالة من الحالات التي عُرضت عليه ليبحث لها عن علاج لأزمتها.. فقال: كلما جاء ذكر المواد الإباحية تذكرت حالة لا يمكن أن أنساها أبداً، فقد جاءتني تبحث عن حل، ولكني تألمت من أجلها ألماً لا يوصف، ومكثت أياماً وأسابيع مهموما بهذه الحالة.
فقد كانت السيدة صاحبة المشكلة زوجة بسيطة غير متعلمة، وكان زوجها من أصحاب الصنائع الذين يكسبون كثيراً، فأعدّ لها شقة بها كل الكماليات كي تسعد بها هي وأبناؤها. ثم اشترى لها جهاز (فيديو) في بداية ظهوره. وكانت الأسرة تشتري الأفلام من محل مجاور لتأجير الأفلام.. وهي الأفلام المصرية المعروفة التي يذيعها التلفاز ودور السينما.
وفي أحد الأيام جاءتها جارتها لتزورها وتبارك لها بالجهاز الجديد.. وسألتها عن الأفلام التي عندها، فلما أخبرتها قالت لها: لا .. سوف أرسل لك فيلما لاستخدامك الشخصي. وأرسلت لها فيلما "إباحيًّا" فلما شاهدته الزوجة كان كالنار التي أحرقت بيتاً لقوم آمنين. لقد تغيّرت الزوجة الصالحة البسيطة إلى إنسانة بهيمية تبحث عن شهوتها فارتكبت الفاحشة مرات كثيرة. وفي إحدى المرات نسيت شريط (الفيديو) بجوار جهاز التلفاز. وأتى الأبناء فشاهدوه ومن يومها انقلبت حياة هذه المسكينة إلى جحيم، وتغيرت نفسيتها ونفسية أبنائها ونفسية زوجها، وتعرضت لمشكلات انتهت بطلاقها.
لقد دفعت المسكينة ثمناً باهظاً للحظة ضعف شاهدت فيها فيلماً قذراً.. وانقلبت حياة الأسرة من السكينة والطمأنينة إلى التشتت والتفرق والاكتئاب.
فما بالنا بالأسرة التي يشاهد الأب فيها والأم أو الأبناء هذه الأمور على الإنترنت أو عبر الفضائيات.




إفساد للسلام النفسي
يرى د. المحمدي عبد الواحد أستاذ علم النفس، أننا كعرب ومسلمين دنيانا بسيطة غير معقدة، وحياتنا كأمة يكفيها القليل.. وتعوّدنا على حياة الندرة وضيق ذات اليد.. وكم عاش أجدادنا في بيوت متواضعة، ولكنهم كانوا يحفظون القرآن، ويعرفون الحلال والحرام والعيب ومكارم الأخلاق.. لهذا كانوا يعيشون في سلام مع النفس و طهارة للروح والبدن.
لكن مشاهدة الأمور الإباحية يخرج الإنسان من سلامة النفس ومن طهارة الروح، ويدخله في حالة من الدنس النفسي والروحي التي تؤرقه وتنغص عليه حياته وتقض مضجعه.
فالإنسان المسلم يعيش بذهنية وعقلية تعلي قيمة العفة، وتزدري الفحش والابتذال. ولذلك فعندما يشاهد هذه الأمور يحدث له ازدواجية وتناقض في نفسيته.
فكيف يكون بين زوجته وأولاده راعي الفضيلة والأخلاق، ثم بينه وبين نفسه إنساناً فاسقاً مشاهداً للفحش والدعارة والزنا والابتذال.
إن الإنسان في هذه الحالة يشعر بوخز الضمير، كما يحدث لكل إنسان مقيم على معصية، كمن يسرق ومن يشرب الخمر، ومن يسعى بالغيبة والنميمة بين الناس، فهو يشعر ويعرف الذنب الذي اقترفه وضميره يؤنبه ..
وهكذا يعيش في رحلة تأنيب للضمير وازدواجية في النفس والروح.. وهذه أسوأ حياة يمكن أن يحياها الإنسان.




مسؤولية مؤسسات التربية
يرى د. سليمان صالح أستاذ الإعلام أنه غير خاف ما أصبحت تلعبه شبكة الإنترنت من دور كبير في تشكيل ثقافة الأجيال الصاعدة وخاصة في مجال السلوك الجنسي. فنتائج الأبحاث النوعية التي تمحورت حول مدى تأثير وسائل الاتصال في سلوك المراهقين، أظهرت أن المواقع الإباحية لإطفاء الغريزة الجنسية من لدن الشباب في تنامٍ مستمر مقارنة مع المواقع الثقافية والعلمية والصحية. ولمواجهة هذا الخطر الداهم فإن على مؤسسات التربية والتعليم بذل المزيد من الجهد للاستجابة لاحتياجات المراهقين في مجال الثقافة والمشورة الجنسية وتزويدهم بالمعلومات الدينية الصحيحة التي تكون لهم بمثابة درع منيع يحصنهم من الانحراف، ويجنبهم الوقوع في الرذيلة والفساد والدعارة والمخدرات، وتذكيرهم بالدور الحقيقي للإنسان في الحياة، والغاية من خلق الذكر والأنثى، والسبل الشرعية لتفريغ الطاقة الجنسية، والإجراءات الواجب اتباعها للمحافظة على صحة وسلامة البدن والجهاز الإنجابي.



ضرر ثلاثي الأبعاد
يقول د. أحمد عبد الله استشاري الطب النفسي: مشاهدة الصور الإباحية تضر من ثلاثة جوانب:
أولاً: ناحية الصورة؛ إذ إن تكرار مشاهدة الصور يرسم خيالاً محددًا فيما يخص معايير ومقاييس الجمال والجسد المثير، وقد رأينا الكثيرات ممن ينفقن مالاً وجهدًا ووقتًا هائلاً في الجري وراء سراب وصفات التنحيف "الريجيم" للوصول إلى هذا الجسد المنشود، ومن ناحية أخرى فإن تكرار رؤية المواد الإباحية يؤدي إلى كسر الحياء، والضغط النفسي الذي نرى من آثاره أشكال الحجاب "المودرن" المزركش والضيّق، بما يغري ويثير أكثر من التبرج.
ثانياً: إن هذه الصور غالبًا ما تكون مصدرًا لمعرفة مشوهة حول الجنس والعلاقات الجنسية السوية بين الرجل والمرأة، كما ينبغي أن تكون إنسانيًا وإسلاميًا؛ فالضرر متعدد الجوانب والمستويات، ومتحقق حتمًا، لذا يلزم التنبيه.
ثالثاً: ومن بين الآثار التي تفضي إليها مشاهدة القنوات والأفلام والصور الإباحية، ما قد يطرأ على البعض من تغييرات جنسية في حياته الزوجية، مثل ممارسة العادة السرية باستمرار، وحرمان الزوجة من العلاقة الجنسية أياماً متتالية دون ذنب منها.
وعن المنع من مشاهدة ما لا نفع فيه، يقول د. أحمد عبد الله: أعتقد أنه غير مجد والتعامل مع ظاهرة الغثائية يجب أن يبدأ منذ الصغر، بغرس القيم الأصيلة، ومراقبة الله -عز وجل- في نفس الفتاة أو الفتى، وبعدها من الطبيعي أن تكون هناك حيدة عن الخطأ، ولولا ذلك لما كان الفضل العظيم للشاب الذي نشأ على طاعة الله، النموذج المثالي استثناء إذن، المهم هو التعامل بحكمة مع الأبناء، وتنمية الرقابة الذاتية، والنقاش الهادئ مع توفير البدائل.



الإباحية وانحطاط القيم
يؤكد د. محمود شوكت أستاذ القانون الجنائي أن الذين يخوضون في الدعارة والإباحية غالباً ما يؤثر ذلك في سلوكهم من زيادة في العنف، وعدم الاكتراث لمصائب الآخرين، وتقبّل لجرائم الاغتصاب.
وقد وجد الباحثون أن مثل هذه الإباحية تورث جرائم الاغتصاب، وإرغام الآخرين على الفاحشة، وهواجس النفس باغتصاب الآخرين، وعدم المبالاة لجرائم الاغتصاب وتحقير هذه الجرائم.
وقد درس باحث كندي عدداً من الرجال الذين تعرّضوا لمصادر مواد إباحية بعضها مقترنة بالعنف وبعضها لا تختلط بعنف. وكانت نتيجة هذه الدراسة أن وجد هذا الباحث أن النتيجة واحدة في كلتا الحالتين، ووجد تأثيراً ملحوظاً في مبادئهم وسلوكهم وتقبلهم بعد ذلك لاستعمال العنف لإشباع غرائزهم.
وأثبتت الدراسات أن أكثر مَن تداول هذه المواد أصبح لا يرى أن الاغتصاب جريمة جنائية، بل هو شغوف على كل ما يتعلق بالإباحية الأخلاقية: كالاغتصاب، وتعذيب المُغتَصَبين، واللواط، واغتصاب الأطفال، وفعل الفاحشة بالجمادات، والحيوانات، وفعل الفاحشة بالمحارم وغير ذلك.
كما أثبتت الدراسات أن جرائم العنف والاغتصاب تزداد عند متداولي المواد الإباحية بنسبة 30%. وأن نسبة الانحطاط في العلاقات الزوجية والقدرة الجنسية مع الزوجة تتدنى بنسبة 32%. ونسبة تقبل جرائم الاغتصاب وعدم المبالاة بها تزداد بنسبة 31%.
وفي بحث علمي اعترف 86% من المغتصبين بأنهم يكثرون من استخدام المواد الإباحية، واعترف 57% منهم أنه كان يقلد مشهداً رآه في تلك المصادر حين تنفيذه لجريمته.




الطلاق بسبب غرف الدردشة على الإنترنت
تقول د. إلهام فراج أستاذة علم الاجتماع: إن أعداداً متزايدة من المتزوجين يدخلون إلى غرف الدردشة على شبكة الإنترنت من أجل الإثارة الجنسية، فشبكة الإنترنت أصبحت أكثر الطرق شيوعاً للخيانة، وغرف الدردشة هي أكثر الأسباب وراء انهيار العلاقات الزوجية. والمشكلة ستزداد سوءاً مع ازدياد أعداد الأشخاص الذين يتصلون بالشبكة.
إن أغلب الأشخاص يدخلون إلى غرف الدردشة بسبب الإحساس بالملل، أو نقص الرغبة الجنسية للطرف الآخر، أو الرغبة في التنويع والاستمتاع، وربما يرجع ذلك إلى قلة العلاقات الجنسية مع زوجاتهم.
وأغلب العلاقات بدأت بشكل ودي على الإنترنت ثم تحوّلت إلى شيء آخر أكثر جدية. وثلث الأشخاص الذين دخلوا على غرف الدردشة التقوا بعد ذلك بمن اتصلوا بهم إذا كانوا يقيمون في نفس البلد.
وتؤكد د. إلهام فراج أن هناك ست نوعيات من المواقع الخطيرة على الإنترنت يتعين المسارعة لتصفيتها وهذه النوعيات هي:
أولاً: المواقع الإباحية التي تقدم موضوعات مثيرة للغرائز، وتتنافى مع القيم والأخلاق.
ثانياً: مواقع العنف التي تعرض مشاهد للعنف والقتل والاغتصاب وتخلي الإنسان عن السلوك الآدمي السليم، وقد تعرض هذه المواقع مشاهد لعمليات انتحار أو موضوعات تبرر هذه الجريمة، أو تقدم يد العون لمن يفكرون في قتل أنفسهم.
ثالثاً: مواقع المخدرات والمسكرات التي تشجع على تعاطي المخدرات أو المشروبات الكحولية أو التدخين، وأيضاً المواقع التي تقدّم معلومات عن كيفية الحصول على هذه المواد الخطيرة أو عن كيفية تصنيعها والتعامل معها.
رابعاً: مواقع المقامرة التي تقدم لزوارها ألعاب القمار، أو تشجع عليها سواء بالصورة أو بمواد مكتوبة، وأيضاً كازينوهات القمار التي تتيح اللعب بأموال حقيقية، أو التي تتيح المراهنات على المباريات الرياضية أو سباقات الخيل.
خامساً: مواقع الكراهية التي تقدم مواد تشجع على التفرقة العنصرية أو اضطهاد طائفة أو فئة معينة من البشر، وهذه المواقع قد تكون من تصميم أفراد أو جماعات، وتؤدي إلى نشر روح الكراهية داخل المجتمعات.
سادساً: مواقع عن الأسلحة وهي التي تعطي زوارها معلومات عن الأسلحة النارية أو الأسلحة البيضاء، وكيفية استخدامها، وأماكن شراء هذه الأسلحة، كما تعطي هذه المواقع بيانات عن الذخيرة المستخدمة في الأسلحة النارية والمتفجرات.




خطر يهدد الصحة النفسية
أكد باحثون وأطباء نفسيون أن الاعتياد على المشاهد الإباحية يؤدي إلى حالة من الإدمان أخطر من إدمان الكوكايين، وقد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وجسدية كبيرة، وذلك في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي للجنة العلوم والتكنولوجيا والفضاء يوم الخميس الماضي.
وقد اعتبرت الدكتورة (ماري آن لايدن)، الباحثة بمركز العلاج الإدراكي بجامعة بنسلفانيا، والتي أدلت بشهادتها كمتخصصة أمام لجنة مجلس الشيوخ- أن المواقع الإباحية هي أخطر مهدّد للصحة النفسية نعرفه اليوم، وذلك حسب ما أوردت مجلة (وايرد) الأمريكية.
وعزت خطورة تلك المواقع إلى كونها متاحة عبر وسيلة توصيل تتميز بكفاءة عالية - وهي الإنترنت- كما أنها متاحة بصورة دائمة ومجانية.
ومن ثم، بمقارنة هذا النوع بإدمان الكوكايين مثلاً، فإن الأول أخطر؛ لأنه لا قيود عليه، ولا يمكن التعرّف على من يتعاطاه، كما أن أثره لا يمكن أن يمّحى من أدمغة المصابين به، إذ تظل المشاهد الإباحية عالقة بمخيلة من شاهدوها، بينما يمكن أن تمّحى بصورة نهائية تقريباً آثار الكوكايين من جسم المدمن بعد مضي بعض الوقت.
أما الدكتور (جيفري ساتينوفر) - وهو طبيب نفسي وأحد المختصين الذين أدلوا بشهاداتهم- فقال: إن المشاهد الإباحية، وما يتبعها من استثارة جنسية، تستحث الجسم لإفراز أشباه الأفيون الطبيعية، وبذلك يكون أثر مواقع الإنترنت التي تبث هذا المحتوى الإباحيّ أقوى من أثر مخدر الهيروين.
وقد اقترح بعض أعضاء اللجنة في جلسة الاستماع رصد تمويل من ميزانية الحكومة الفيدرالية لدراسة الآثار الجسدية للإدمان على المحتوى الإباحي. واقترح آخرون توجيه بعض الدعم الحكومي لبرامج توعية المواطنين بمخاطر التعرض للمحتوى الإباحي.
يُذكر أن المحكمة العليا بالولايات المتحدة قرّرت أواخر يونيو/ حزيران الماضي إعادة النظر في القانون الصادر عام 1998 لحماية الأطفال من التعرّض لمواد إباحية عند تصفح الإنترنت، بصفة أن ذلك القانون غير دستوري ويتعارض مع حرية التعبير.
كما أن قاضياً فيدرالياً قضى في سبتمبر/أيلول الماضي بعدم دستورية القانون الذي صدر في ولاية بنسلفانيا لإرغام الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت على منع استضافة أي مواقع إباحية على حاسوباتها الخادمة.





الجنس في الإسلام ثقافة
يقول د. عبد الرحمن طه أستاذ الفلسفة الإسلامية: إن الإسلام قد تحدث عن المسألة الجنسية وعن الأعضاء الجنسية بشكل صريح في الكتاب والسنة، الأمر الذي يعني أن مفردات الجنس ليست أشياء معيبة في الثقافة الإسلامية، حتى إن الإسلام يعبر عن عقد الزواج بكلمة: النكاح التي هي أقرب الكلمات إلى العملية الجنسية في الجانب العملي منها. لذلك نحن لا نرفض الثقافة الجنسية، ولكن لابد لها من أن تبتعد عن أجواء الإثارة، وذلك باتباع اللغة العلمية في هذه المسائل، لا بالانطلاق مع الأفلام الجنسية أو مع أساليب الإثارة المتّبعة لدى الناس.
لذلك لابد من الحذر لدى الشباب والشابات من الانفتاح على تلك الكتب والوسائل التي وُضعت من أجل الإثارة، ولم توضع من أجل أي هدف ثقافي إنساني. وإذا كان بعض الناس يستفيد من هذه الأمور في إثارة بعض الحالات الراكدة في جسده، فإنه يخسر مقابل ذلك الكثير من مناعته الروحية والأخلاقية وتوازنه النفسي، فينفتح على هذا العالم من الموقع القذر لا من الموقع النظيف. والإسلام يريد للإنسان في مفرداته الثقافية، وحتى فيما يحتاجه من عناصر الإثارة، أن يتبع الوسائل التي تحقّق له رغبته في الوقت نفسه الذي لا تهدم فيه روحيته وأخلاقيته ونفسيته النظيفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق